الثلاثاء، 18 فبراير 2014

خطر الذنوب والمعاصي

خطر الذنوب والمعاصي
إنّ الناظر بعَين البَصيرة في حال أُمة الإسلام اليوم لَيعلمُ عِلم يَقين أن أعظمَ أسباب ما هُم فيه مِن بلاءٍ وغلاءِ ووباءٍ ونَكبات وحُروب واختِلاف وشِقاق : الذنوب والمعاصي
والذنوبُ والمعاصي أعظم أسباب زَوال النِّعم وحُلولِ النِّقمِ .
قال اللهُ تعالى :[وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] النحل آية:112كَم مِن أُمَّة كانت في سَعَة مِن الرِّزق ، ورَغَد في العَيش ، وسلامةٍ في الأبدان ، وأمْنٍ في الأوطان ، فعَصَت خالِقَها جل وعلا ، وسخَّرَت نِعَمه في معاصيه ، فحَلَّ عليها العقابُ ونزلَ بها العذابُ ، فتَبدَّلت عليها الأحوالُ ، وصارت مَضْرَبا للأمثال.
وصدق اللهُ جل في عُلاه: [ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا . فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا . أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا .] الطلاق [8- 10]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ظهَرَ السُّوءُ في الأرض أنزَلَ اللهُ بأسَهُ بأهل الأرضِ .


وانظُر رحِمَك اللهُ إلى مَعصِية واحِدة في خير الأزمان والقُرون ومــع خَـيـــر الـنـــاس صلى الله عليه وسلم ، صدَرَت مِن بعض الصحابة – مِن الرُّماةِ - يوم غَزوة أُحدٍ ، كانت سبباً في مفاسدَ كثيرة وقعَت في غزوة أحُدٍ ، مِن التَّفَرق والاختِلاف والهروب والقَتل والهزيمة ،بعد الاجتماع والائتِلاف والثبات والعِز والنصر .
قال تعالى : [إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ] آل عمران [152].
قال العلامةُ الشيخُ السعديُّ – رحمَه اللهُ – في تفسير هذه الآيةِ : فلما حصَل مِنكُم الفشَلُ وهو الضعفُ والخَوَرُ ] وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر[ الذي فيه تركُ أمرِ الله ، بالائتِلافِ وعدم الاختِلافِ ، فاختَلفتُم ، فَمِن قائلٍ : نُقيم في مَركزنا الذي جعلنا فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، ومِن قائلٍ : ما مَقامنا فيه ، وقد انهزَم العدوُّ ، ولم يَبقَ مَحذورٌ ؛ فعَصيتُم الرسولَ ، وتركتُم أمْرَه ] مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ [ وهو انخِذالُ أعدائِكُم ؛ لأن الواجبَ على مَن أنعمَ اللهُ عليه بما أحَبَّ ، أعظم مِن غَيره ، فالواجبُ في هذه الحال خُصوصا ، وفي غيرِها عُموما ، امتثالُ أمرِ الله ورسولِه .


ولمّا أذنَبَت بنو إسرائيل وجاهَرت بالمعاصي ، سلَّط اللهُ عليهم الرومَ فسَبوْا نِساءَهم وسلَبوا أموالَهم وسفَكوا دِماءَهم.
ومَرَّ الأعمشُ على صُنّاعِ قُدورٍ فقال : هؤلاءِ أولادُ الأنبياءِ ، يوم كانوا على الطاعةِ كانوا أعزَّةً،فانظُروا إلى ما صيَّرتهُمُ المعاصي والذنوبُ.] وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ] الأنفال [51]
جاء عنه صلى الله عليه وسلم : إنّ العبدَ لَيُحرمُ الرزقَ بالذنبِ يُصيبُه .


قال اللهُ تعالى: [ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ . فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ] الزخرف [55- 56] أي أغضبونا بفعل المعاصي جهاراً نهاراً انتقَمنا منهم.
فما فيه الأُمة اليوم مِن ظُلم وذُل وقَهرٍ مِن قِبَل أعدائها ما هو إلاّ بسبَب ذُنوبِها ومعاصيها ، وصدقَ اللهُ العظيمُ : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30] وأيّ عُقوبة أعظم مِن عُقوبة الذُل والهَوان التي ضُرِبت بها هذه الأمةُ يوم عصَتِ اللهَ جل في عُلاه ؟!
ففي كُلِّ يوم تُهتَك أعراضُ المسلمين هُنا وهناك ، وتُسلَبُ أموالُهم ، وتُسفَك دِماؤُهم، وتُدكُّ مساكِنُهم ، ويُعبَث بمُقدساتِهم ، والأُمةُ إلاّ ما رحم رَبي مشغولةٌ بكأسِ عالَمِها أو برَقصِها وغِنائِها ومُسلسَلاتِها!!
وإنْ ناشَدوا واستغاثوا فبِأَعدائِهِم ، بهيئَة الأُمَم أو بما يُسمّى بمجلس الظُلم الدولي !! فأينَ مُناشدةُ اللهِ ؟ وأين الاستغاثةُ به ؟ وأين الانطِراحُ بين يديهِ بالتضرُّعِ والبُكاء ؟ وأين صِدقُ اللّجأِ إليهِ بالتوبة والإنابةِ والدُعاءِ ؟؟!
إذا كان المُشركون قديما يَستغيثون بالله عند الشدائدِ ويَنسونَه في الرخاءِ ، كما قال تعالى : [ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ] [العنكبوت:65] ، وأما أُمَّة الإسلام اليوم فلا حول ولا قُوة إلا بالله ، سواء كانوا في شدة أو رخاءٍ يَتَوجهون إلى أعدائِهم بالمُناشدة والبكاء ، فسامَهُم أعداؤُهُم أليمَ الذُّل والهوان والعذاب.
وأيّ عُقوبَة أعظمُ من هذه العُقوبة التي ضُرِبت بها هذه الأُمة في هذا الزمان ، والسببُ: مَعصِيتُهم لِربِّهم جل في عُلاه.
جاء عنه صلى الله عليه وسلم : يا معشرَ قريشٍ ، إنكم أهلُ هذا الأمر – النصرُ والتمكين – ما لم تُحدِثوا ، فإذا غَيَّرتُم بعَثَ اللهُ إليكُم من يَلحاكُم كما يُلحَى هذا القضيبُ .


وفي رواية : إلا سلَّط عليكُم شِرار الخلقِ فقطعوكم كما يُقطع هذا القضيبُ .
وفي رواية : إلا أُذِلوا .
أصابنا اللهُ تعالى بكل ما تَعنيه الكلمةُ من الضعف والذل والهوان والخوف والخُذلان وصدق اللهُ تعالى : [ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ] [آل عمران:160]
عند مَصائبِهم يُناشدون الأعداءَ ، وتركوا اللهَ العلِيَّ العزيز الجبارَ ، فوكَلَهم إلى عدوِّهم فساموهُم سوءَ العذاب والذل والهوان . عوقِبَت هذه الأُمّةُ بالخوف من أعدائِها أعظم مِن خوفها من رَبها سبحانه وتعالى ، والسببُ : الذنوبُ والمعاصي .
كلُّ المعاصي التي عَمِلتها الأُمم من قبلنا عمِلتها اليوم أُمةُ الإسلام إلا ما رحم اللهُ . قال تعالى وجُعِل الذلُّ والصَّغارُ على من خالفَ أمري . ، قالوا : لا تَحِلُّ المَعصيةُ بيتَ قوم إلا أدخَلَ اللهُ إليه الذُلَّ .
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : يوشِك أن تتداعى عليكُم الأُممُ كما تتداعى الأكلةُ إلى قَصعتِها... أمِن قِلّةٍ نحنُ يا رسولَ الله ؟ ...إلخ . ، وجَدوا أقصى درجات الذل والخوف والهوان ، والسبب : المعاصي والذنوبُ.
ولنا عِبرةٌ فيما جرى في الأُمم قبلنا من الذل والخوف والعذابِ ، يوم خالطوا المعاصي والآثام ، فعمَّهُم اللهُ بالعقابِ والعذابِ .
قالت زينبُ بنتُ جَحشٍ: فقلتُ يا رسولَ الله أَنهلِك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم ، إِذا كَثُرَ الخَبَثُ .

وفي زمَنِنا هذا كَثُرت بما يُسمى بالكوارث الطبيعيةِ كالزلازل والفيضانات والسيولِ المُهلِكةِ ، وما ننتَهي من بَلِية إلا وتَبِعتْها بلايا أُخرى أشد من سابِقتِها ، وهذا مِصداقُ ما أخبر عنه المُصطفى صلى الله عليه وسلم يوم قال : بين يدي الساعةِ مُوتانٌ شديدٌ ، وبعدَه سنواتُ الزلازلِ .

والسؤال : ما أسبابُ كثرة ما يُسمَّى بالكوارث الطبيعية ، إضافة إلى بَلايا الغَلاءِ والوباء والحروب والخوفِ وكثرة الفتنِ ؟
السببُ الأعظم في ذلك كُله : الذنوبُ والمعاصي ، وصدق اللهُ تعالى : [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] [الشورى:30]
والبلاءُ إذا نزل فإنه لا يَنزل غالِبا إلا في ظُلمات الليل والناسُ غافِلون آمِنون ، ودليلُ هذا ما ذَكر اللهُ تعالى : [أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ][الأعراف:97-99]
والبلاءُ لا يَنزلُ غالبا إلا والناسُ في غَمرة الأمن والسعادة والسرورِ ، فيُبدّلُ السعادةَ حُزناً ، والأمنَ خوفاً ، والرغدَ جوعاً وعطشاً ، قال اللهُ تعالى : [فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ] [الأنعام: 44]
قال المُفسر السعدي : يُؤخَذوا على غِرّة وغَفلة وطُمأنينة ، ليكون أشدّ لِعُقوبتِهم ، وأعظمَ لِمُصيبَتِهم .


ولنا عبرةٌ : أُصِبنا ببلايا ونكباتٍ ، لو كانت القلوبُ تَعقلُ لكَفَتْنا بَلِيّةٌ واحِدة ، فكيف وهي مُجتَمِعةٌ !

كان من دُعائِه صلى الله عليه وسلم : اللهُم إني أعوذُ بك من زوال نعمتِك ، وفُجاءَةِ نِقْمَتِك ، وجميعِ سَخطِك .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تابعنا على الفيسبوك

https://www.facebook.com/abdalla.mowafy?ref=tn_tnmn

القائمة البريدية

Test Footer 2

الصفحات

ترجمة

المشاركات الشائعة

Decoration

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by قوالب بلوجر | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Bluehost custom blogger templates